Uncategorized

العقوبات الأميركية على حميدتي هل تغير مسار الصراع في السودان؟

تقرير: رشا حسن

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في منطقة دارفور بالسودان، وتورطت في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. وأكد بلينكن أن القوات نفذت عمليات قتل بدوافع عرقية وارتكبت أعمال عنف جنسي كوسيلة حرب، مشيرًا إلى أن القائد العام لها، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه الأفعال البشعة وغير القانونية.

وأوضح بلينكن، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، أن قوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي، انخرطت في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي على نطاق واسع، وإعدام المدنيين والمقاتلين العُزّل. وأضاف أن القوات استخدمت حرمان الشعب السوداني من الإغاثة الإنسانية كسلاح حرب، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي، والتزاماتها بموجب إعلان جدة لعام 2023 ومدونة قواعد السلوك لعام 2024.

وفي وقت سابق، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقوبات على عبد الرحمن جمعة بارك الله، أحد قادة قوات الدعم السريع، بتهمة ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في إقليم دارفور. كما فرضت لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي، في سبتمبر/أيلول الماضي، عقوبات على اثنين من قادة قوات الدعم السريع بدعوى زعزعة استقرار السودان من خلال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول تأثير العقوبات الأميركية والدولية على مجرى الأحداث في السودان، الذي يشهد صراعًا دمويًا مستمرًا بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. فهل يمكن لهذه العقوبات أن تضغط على الأطراف المتورطة لوقف الحرب، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من التصعيد في بلد يواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة؟

في هذا الصدد، يقول القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، كمال كرار، إن العقوبات تمثل نوعًا من الضغوط على قوات الدعم السريع للدخول في تسوية، وغالبًا ما تكون بالتنسيق مع المبادرة التركية.

وأشار كرار، في حديثه لـ”الوجهة24″، إلى أن هذا النوع من العقوبات يمكن الالتفاف عليه، وأن الكثير من هذه الضغوط لم تؤثر في مجرى الحرب. وأضاف أن الولايات المتحدة غالبًا ما تحاول تبييض صورتها أمام العالم في ظل انتهاكات الحرب الجسيمة، معتبرًا أن العقوبات إحدى أدواتها لتحقيق ذلك، على حد قوله.

“إشارة للحكومة”
أما نائب المدير العام لمركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية، الفاتح عثمان محجوب، فيرى أن العقوبات الأميركية على قائد قوات الدعم السريع جاءت في خواتيم عمل الإدارة الأميركية، ما يعني أن الإدارة قد يئست من إمكانية إصلاح قوات الدعم السريع. وأوضح أن العقوبات أُرفقت ببيان يؤكد أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية في غرب دارفور.

واعتبر محجوب، في حديثه لـ”الوجهة24″، أن بيان الإدارة الأميركية يحول عمليًا دون أي تعاون أميركي مع قوات الدعم السريع، ويمهد لفرض مزيد من العقوبات على كل الجهات الدولية المرتبطة بها. وأكد أن القرار يمثل إشارة للحكومة السودانية والجيش السوداني بأن الولايات المتحدة لا تزال تعول على التعاون معهما، وأنها لا تفكر في استبدال الجيش السوداني بـقوات الدعم السريع، أو على الأقل أنها تخلت عن هذه الفكرة.

وأشار محجوب إلى أن انعكاسات هذه القرارات على قوات الدعم السريع تتمثل في نشر الإحباط وسط القيادات الميدانية، وجعل الدول الداعمة لهذه القوات متخوفة من التعامل معها خشية أن تطالها العقوبات الأميركية والدولية، خاصة بعد تأكيد الولايات المتحدة الرسمي بأن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية في غرب دارفور، وهي منطقة مشمولة بقرارات مجلس الأمن الدولي.

“تقاعس العقوبات”
بينما ذهب القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، إلى أن إدارة بايدن تقاعست كثيرًا في استخدام سلاح العقوبات تجاه أطراف الحرب في السودان، بل تأخرت في توظيف أدواتها ضد معيقي الانتقال الديمقراطي، رغم وجود قانون أقره الكونغرس لهذا الغرض. وأشار إلى أن ما فرضته وزارة الخزانة الأميركية من عقوبات على الجنرال محمد حمدان دقلو، وعدد من الشركات المرتبطة به، سبقته عقوبات طالت عددًا من قيادات قوات الدعم السريع والجيش السوداني.

وأوضح عروة، في حديثه لـ”الوجهة24″، أن هذا الإجراء جاء ردًا على تورط قوات الدعم السريع في الحرب الدائرة بالسودان، وما ترتب عليها من انتهاكات جسيمة وأزمة إنسانية خانقة. وأضاف أن بيان وزير الخارجية الأميركي ووزارة الخزانة أوضح أن العقوبات تهدف إلى عزل قوات الدعم السريع ماليًا وعسكريًا، لإضعاف قدرتها على مواصلة الصراع.

ورأى الصادق أن الإدارة الأميركية تعتقد أن العقوبات قد تدفع طرفي الحرب إلى التفاوض والتوصل إلى حل سلمي، حيث تزيد العقوبات من تكاليف استمرار الصراع. لكنه أشار إلى أن العقوبات السابقة والمحتملة على قيادة الجيش ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، من خلال نقص السلع الأساسية والخدمات، فضلًا عن تأثيرها على الاستقرار الإقليمي. وأكد أن السودان مرتبط بعلاقات مع دول المنطقة، وأن العديد من شركات الخدمات لها ارتباطات تجارية بـقوات الدعم السريع والجيش السوداني.

وشدد عروة على ضرورة أن تكون هذه العقوبات أداة فعالة لوقف الحرب وحماية المدنيين، وألا تتحول إلى سيف مسلط على رقاب المواطنين. وأكد أهمية أن تساهم العقوبات في تحقيق انتقال ديمقراطي مدني، دون أن تزيد من معاناة الشعب السوداني أو تفاقم الأوضاع الإنسانية. وأوضح أن العقوبات يجب أن تكون جزءًا من الحل، لا عاملًا لتعقيد الموقف، وأن تُصاحبها جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب.

وأشار إلى فشل الجهود السابقة، مثل جهود توم بيرييلو، المبعوث الخاص للسودان، ومن قبله مولي في، والسفير جودفري، وفلتمان. وأضاف أن الأزمة في السودان لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا يمكن النظر إلى العقوبات كحل سحري، بل هناك حاجة ماسة إلى حل سياسي شامل يضمن مشاركة جميع الأطراف الرافضة لاستمرار الحرب.

وطالب عروة بضرورة تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني، بغض النظر عن العقوبات، ودعا دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى الضغط من أجل العودة إلى طاولة التفاوض. وأكد أن هذا هو الطريق الأقصر والأمثل لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن القادة العسكريين في السودان تمرسوا على التحايل على العقوبات، من خلال تغيير ملكية شركاتهم وتحويل أسهمها.

وختم حديثه بالقول إن العقوبات المتوقعة قد تطال البرهان وبقية جنرالات الحرب، لكن دون استصحاب ذلك بأدوات ضغط فعالة، فإن الأمر سيبقى مجرد ذر للرماد في العيون، مع استمرار التأثير السلبي على الاقتصاد السوداني ومنظومته البنكية وحياة المواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى