أخبار

جرد حساب .. عثمان ميرغني يكتب

جرد حساب…

عثمان ميرغني 

في فجر يوم الإثنين 25 أكتوبر 2021، وقع انقلاب القصر في السودان. أطاح رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه، بمساندة بقية المكون العسكري، بالحكومة التنفيذية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، ليسدل الستار على الفترة الانتقالية التي بدأت بتوقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019.

جاءت حيثيات الانقلاب في بيان أُذيع، تلاه مؤتمر صحفي عقده الفريق عبد الفتاح البرهان في اليوم التالي بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية. تعهد البيان بإكمال مؤسسات الدولة التي تجاهلتها حكومة الفترة الانتقالية، وهي: المجلس التشريعي (البرلمان)، مجلس القضاء الأعلى، مجلس النيابة العليا، المحكمة الدستورية، والمفوضيات. ولإبراز جدية هذا الالتزام، حدد البيان اسبوعاً واحدًا لإنجاز هذه المهام.

لكن بنظرة سريعة على ما تحقق خلال الأربع سنوات منذ ذلك اليوم، يتضح أن شيئًا يُذكر لم يُنجز، باستثناء تعيين رئيس للمحكمة الدستورية دون استكمال أعضائها. وبمقارنة بسيطة بين الأوضاع التي استندت إليها حيثيات الانقلاب والواقع الراهن، تبدو الأحوال قبل الانقلاب أفضل بكثير من أي يوم تلا ذلك التاريخ. بل إن الوضع يزداد سوءًا مع إشراقة كل يوم جديد، ولا تكاد تبين خيوط فجر تنقشع معه ظلمة الليل الحالك التي يعاني منها السودان منذ ذلك الحين.

من الحكمة أن نكتفي بهذا القدر من النتائج الدامغة التي تثبت فشل الانقلاب وما ترتب عليه، وأن نبحث عن مخرج من نفق الحرب – وهي إحدى نتائج الانقلاب – بل وللانتقال إلى مرحلة جديدة لبناء السودان الحديث.

ركن الزاوية في ذلك هو إيقاف الحرب أولاً. لقد قدّم الجيش تضحيات كبيرة وحقق إنجازات في ظل ظروف صعبة، لكن الدولة معطوبة تمامًا في شقها المدني. وقد حان الوقت لإصلاح هذا الخلل. يفتقر السودان إلى دولة حقيقية تؤدي مهامها الوظيفية بما يتماشى مع متطلبات العصر.

لا أرغب في مناقشة أداء الأفراد، بل التركيز على المهام والهياكل، بدءًا من مجلس السيادة الذي يمثل رأس الدولة وسنامها. فقد أسند إلى نفسه، عبر تعديلات الوثيقة الدستورية، العديد من المهام التنفيذية الحيوية. لكن مجلس السيادة لا يمثل مؤسسة حقيقية كما كان يُفترض بفكرته الأصلية. فصناعة القرار فيه محصورة بالمكون العسكري، الذي يمنح القائد العام، بحكم تراتبيته، صلاحيات مطلقة.

بكل تأكيد، فشل مجلس السيادة – بصفته أعلى مستوى سلطة في البلاد – في إثبات نجاعة فكرته من حيث المبدأ والأداء على حد سواء. يتكون المجلس من تسعة أعضاء: أربعة عسكريين، ثلاثة من مجموعة اتفاق السلام الموقّع في جوبا أكتوبر 2020، وسيدتان. يشكلون عبئًا كبيرًا على خزينة الدولة، التي تُقتطع مواردها من مال الشعب الفقير لتغطية أجور ونثريات وتكاليف أخرى دون عائد ملموس أو مبرر. لا يوجد ما يبرر وجود تسعة أعضاء في كرسي رأس الدولة سوى الترضيات السياسية والجهوية، التي لا تخدم المواطن بل تزيد من أعبائه.

لقد كتبت كثيرًا منذ سقوط النظام السابق، محذرًا من الوقوع في فخ فكرة “مجلس السيادة” التي استُحدثت في فترة تاريخية محددة (ديسمبر 1955) لمعالجة ظرف يُفترض أنه مؤقت. واستمر فشل هذه التجربة بعد ثورة أكتوبر 1964، ثم انتفاضة أبريل 1985، مما يدلل على عجز النخب السياسية عن تجاوز المسلمات القديمة حتى بعد أن تجاوزها التاريخ.

أما مجلس الوزراء بنسخه الثلاث، فقد ثبت فشله. النسختان الأوليان برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك (من سبتمبر 2019 حتى 24 أكتوبر 2021) لم يكونا ليستمرا حتى بدون الانقلاب. وظلت البلاد بلا مجلس وزراء حقيقي لنحو أربع سنوات، ثم عُيّن الدكتور كامل إدريس في مايو 2025، لكنه يدخل شهره السادس دون إنجازات تُذكر.

مجمل المشهد يثبت أن الانقلاب وما بُني عليه كان وبالاً على السودان ولا يزال. فيصبح السؤال: ما المخرج؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى