تحرير مدني .. فرحة شعبية ودلالات سياسية

تقرير: رشاحسن
وسط فرحة عارمة بين المواطنين، أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، تحرير مدينة ود مدني بولاية الجزيرة من قبضة قوات الدعم السريع، التي كانت قد سيطرت عليها في شهر ديسمبر من العام الماضي عقب انسحاب القوات المسلحة منها دون مقاومة تُذكر.
وخلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني، نزح آلاف المواطنين إلى ولايات السودان المختلفة بحثًا عن الأمان، بعد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات ضد المدنيين. في المقابل، اضطر بعض السكان للبقاء في المدينة رغم النقص الحاد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.
واستقبلت العديد من ولايات السودان خبر تحرير ود مدني بالزغاريد والهتافات، حيث خرج المواطنون في مسيرات جابت الطرقات، معبرين عن فرحتهم بهذا الانتصار. وفي خضم هذه الأجواء الاحتفالية، بدأ السياسيون والمحللون في توضيح دلالات استعادة المدينة وتأثير ذلك على مجريات الصراع، بالإضافة إلى انعكاساته على مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في ولاية الجزيرة.
“استراتيجية التحرير”
في هذا الصدد، يقول المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، اللواء دكتور معتصم عبدالقادر، إن تمرد قوات الدعم السريع على الدولة السودانية قوبل بسياسة مدروسة من قبل الجيش السوداني، تمثلت في التجهيز والتحضير وتنفيذ العمليات على مدى زمني ممتد، وفقًا لخطط مدروسة ومحسوبة. وأضاف أن هذه السياسة تضمنت إعداد القوة البشرية، تعزيز التسليح، وتحديد الأولويات التكتيكية ضمن الإطار الاستراتيجي العام.
وأشار إلى أن استعادة مدينة ود مدني وما حولها تعد جزءًا من هذه الاستراتيجية الشاملة، وأنها بالتأكيد ستتبعها استعادة ولاية الجزيرة بالكامل، بالإضافة إلى ما تبقى من ولاية الخرطوم وولايات كردفان ودارفور.
وأوضح عبدالقادر، في حديثه لـ”الوجهة24″، أن نسق عمليات القوات المسلحة السودانية أثبت فعاليته منذ عبورها جسور ولاية الخرطوم في نهاية سبتمبر الماضي، مشيرًا إلى أن تمدد القوات في كافة محليات الولاية يدل على نجاح تنفيذ الخطط المرسومة. وأكد أن استمرار السير على هذا النهج سيؤدي حتمًا إلى استعادة ما تبقى من ولاية الجزيرة والتقدم نحو بقية المناطق.
وأضاف أن تقدم القوات المسلحة كان مدعومًا بضعف قوات المليشيا، التي تفتقر إلى الخطط العسكرية، وتعاني من فقدان قياداتها بسبب الاختفاء، الهروب، الاستسلام، أو الهلاك. كما أن استهدافها للمواطنين العزل أفقدها التعاطف الشعبي والدعم من الحواضن الاجتماعية، مما جعلها معزولة ومستهجنة محليًا ودوليًا.
وختم بأن جميع الدلائل والمؤشرات تؤكد تفوق القوات المسلحة وقدرتها على استعادة ما تبقى من المناطق التي تشهد تمردًا، والسيطرة على كامل التراب السوداني.
“ميزان القوة”
أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعات السودانية، الدكتور راشد محمد علي، فيرى أن الدلالات المنطقية لاستعادة الجيش لمدينة ود مدني تعكس ميزان القوة العسكرية على أرض المعركة، وتحمل مؤشرات واضحة من بينها تعزيز قوة الجيش السوداني واستعادة السيطرة والتمكن من الإمساك بزمام الأمور.
وقال الدكتور راشد، في حديثه لـ”الوجهة24″، إن موقف المليشيا المتمردة – حسب وصفه – يتراجع عسكريًا، معتبرًا أن هذا التراجع يضعف وجودها سياسيًا، كما يضعف التحالفات المرتبطة بها داخليًا وخارجيًا. وأضاف أن هذا الوضع سيؤدي إلى إقصاء المليشيا من أي تسوية سياسية محتملة، مشيرًا إلى أن هناك مسائل سياسية يتم حسمها بالتزامن مع التقدم العسكري للجيش السوداني.
وأوضح أن هناك تركيزًا استراتيجيًا حاليًا على تحديد مصالح جميع الأطراف في السودان، وهو ما يعني عمليًا نهاية الحرب، وكذلك نهاية حالة الصراع الخارجي على السودان. كما توقع أن مستقبل الأوضاع في ولاية الجزيرة، بعد فترة من الزمن، سيشهد عمليات تمشيط يقوم بها الجيش السوداني للمناطق التي كانت تحت سيطرة التمرد، للتأكد من خلوها من المتفجرات، قبل السماح للمواطنين بالعودة إليها.