تطور ميداني وتقدم الجيش .. معركة الحسم

تقرير: رشا حسن
وسط أجواء من الفرح الشعبي العارم، أعلن الجيش السوداني سيطرته الكاملة على مصفاة الجيلي الاستراتيجية شمال العاصمة الخرطوم، بعد معارك ضارية مع قوات الدعم السريع استمرت لأيام. هذه الخطوة تأتي بعد أكثر من عام على سيطرة قوات الدعم السريع على المصفاة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
التقدم الميداني للجيش في الخرطوم لم يتوقف عند استعادة المصفاة، إذ تمكنت القوات المسلحة من فك الحصار عن القيادة العامة، في وقت شهدت فيه قوات الدعم السريع انشقاقات بارزة، أبرزها استقالة مستشار قائد الدعم السريع أيوب نهار والقيادي حقار عبدالله جمعة دارمسا، الذي أعلن دعمه للشعب السوداني وقواته المسلحة في “معركة الحق والكرامة”.
لكن السؤال الأبرز يبقى: كيف ستؤثر هذه الانتصارات الميدانية على المشهد السياسي؟ وهل يقرب هذا التقدم البلاد من حسم الصراع عسكريًا؟
“معركة الحسم”
يجيب على هذه الأسئلة القيادي في الحزب الشيوعي كمال كرار، الذي قال إن استرداد القيادة العامة وفك الحصار عن سلاح الإشارة وغيرها من المناطق الحربية يعتبر خطوة في إطار المعركة لهزيمة المليشيا وطردها. وأضاف أن هدف المعركة، كما تعلنه قيادة الجيش، تفسده المليشيات التي تقاتل معه وتسرق انتصاراته وتنسبها لنفسها، موضحًا أن معركتها الأساسية ضد ثوار ديسمبر، وهذا النوع من الادعاءات يخصم من انتصارات الجيش وقاعدته الشعبية.
ويرى كرار في حديثه لـ”الوجهة24″ أن هذه المتغيرات العسكرية على الأرض ليست جديدة، وهي تندرج في إطار الكر والفر، حيث يتفادى الطرفان المعارك الفاصلة أو ما تُسمى “كسر العظم”، التي تعلن انتصار طرف وهزيمة الآخر. وأضاف أنه مع طول أمد الحرب والاستنزاف المستمر للعتاد والجنود، تصبح العاصمة ساحة المعركة التي تمثل الانتصار المعنوي، إن لم يكن الحاسم.
وأوضح كرار أن انعكاسات ذلك ستكون على مجرى الحرب في الأيام القادمة، سواء على صعيد بقية المناطق في الخرطوم أو خارجها. وقال إن حسم الحرب بصورة نهائية لا يزال بعيدًا، نظرًا للمساحات الواسعة التي تتمدد فيها الحرب، وللتدخلات الخارجية التي تدعم الطرفين. ولفت إلى أن الجيش قد يحقق تطورًا في ملف وقف الحرب، وإقناع الطرفين بضرورة مواصلة التفاوض لحسم المعركة على طاولة التفاوض.
“حسم قريب”
أما المحلل السياسي، محي الدين محمد محي الدين، فيرى أن التقدم الميداني يعمل في اتجاهين: أولهما تعزيز شرعية التعامل مع المجتمع الدولي، وثانيهما زيادة التفكك داخل قوات الدعم السريع. ويتضح ذلك من خلال حالات الهروب من ميدان القتال، مؤكدًا أن قوة كبيرة منهم فرت وغادرت الميدان.
وأشار محمد، في حديثه لـ”الوجهة24″، إلى أن هناك تقدمًا كبيرًا للجيش في محور الصحراء من خلال قطع إمدادات الدعم السريع، معتبرًا ذلك عاملًا يضيق الخناق على هذه القوات. وقال إن نتيجة لذلك جاءت استقالات قادة في الدعم السريع، متوقعًا المزيد من الاستقالات في الأيام المقبلة، لأنهم اكتشفوا أن قوات الدعم السريع تواجه مشكلات تتعلق بغياب القيادة وضعف قدراتها العسكرية.
وتوقع محي الدين أن الجيش سيحسم المعركة عسكريًا في وقت وجيز، وستحدث تحولات ميدانية خطيرة قد تكون لها آثار كبيرة على الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. وأضاف أن الحسم العسكري مسألة وقت، في ظل المعطيات الداخلية المتعلقة بقدرات القوات المسلحة والدور الخارجي الذي بدأ يتبلور مع توجيه اتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
“تمدد الدعم”
بينما يقول المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، لواء دكتور معتصم عبدالقادر الحسن، إن نشأة الدعم السريع كانت كقوة مساندة للقوات المسلحة السودانية، ولكن خلال فترة الإنقاذ وما بعدها، تمدد في مساحات سياسية واقتصادية واجتماعية لم تكن ضمن قانونه أو وصفه المهني. وقد ساعده على ذلك تدفق الأموال إليه بسهولة من الخزانة العامة، ومن أموال المشاركة في حرب اليمن، ومن تصدير وتهريب الذهب، ومن الشركات الاستثمارية في التجارة الداخلية والخارجية، مما وفر له قدرات مالية فاقت الدولة السودانية وأجهزتها المختلفة، وجعل الكثيرين من قادة القبائل والسياسيين وغيرهم يقبلون على التعامل معه طمعًا في السلطة والمال السريع.
ويرى عبدالقادر في حديثه لـ”الوجهة 24″ أن الأمر الآخر المهم هو أن الدعم السريع المتمرد ومناصريه لم تكن لهم قضية معينة يناضلون من أجلها، لذلك تجدهم يقفزون كل فترة من موضوع لآخر مثل ترسيخ الديمقراطية والحكم المدني، أو محاربة التيار الإسلامي، أو فك سيطرة بعض قبائل الشمال على السلطة والثروة. وأضاف أنه عندما حققت القوات المسلحة انتصارات كاسحة ومتتالية في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، وتوقف صرف المليشيا على مستشاريها ومحازبيها وقواتها، فضل الكثيرون منهم القفز من سفينتها المتهالكة الغارقة، خوفًا من أن يقتص منهم على جرائم وانتهاكات الدعم السريع البينة والمثبتة سواء على مستوى الفعل أو التحريض.
وقال إن هروب واستسلام واستقالة واختفاء وهلاك قيادات التمرد قد نزل على القواعد، وصارت الانسحابات هي السمة الملازمة لقوات التمرد، مما يعني أن المعركة أصبحت تعتمد على تحركات وتقدم الجيش أكثر من اعتمادها على مقاومة أو ثبات القوات المتمردة في المواجهات، مما يجعل حسم الحرب مسألة وقت في يد القوات المسلحة