رحلة فرار قاسية من الفاشر ترويها سيدة بعد توغل الدعم السريع

متابعات: الوجهة 24
في مساء يوم الخميس، استغرقت منال عبد الله وأطفالها، برفقة عدد من الأسر، أكثر من ثلاث ساعات لعبور مدينة الفاشر باتجاه شمالها، وسط أجواء مشحونة بالقصف المدفعي المتبادل بين القوات المسلحة السودانية وحلفائها من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، بينما كانت الطائرات المسيّرة تحلّق في سماء المدينة، ما زاد من حالة التوتر والخوف التي رافقت الرحلة.
بداية النزوح
منال عبد الله أوضحت في حديثها لـ”دارفور24″ أنها اضطرت إلى مغادرة الفاشر بعد أن توغلت قوات الدعم السريع في حي الشرفة، الواقع بالقرب من قيادة الجيش وسط المدينة. وتروي أن القصف المدفعي الذي وقع يوم الأربعاء أصاب منزلهم مباشرة، ما أدى إلى تدمير إحدى الغرف بالكامل، إضافة إلى تدمير سيارة شقيقها التي كانت متوقفة منذ فترة طويلة أمام المنزل.
خوف مستمر
وتتابع منال سرد تفاصيل الرحلة التي خاضتها مع أطفالها وعدد من الأسر الأخرى، مشيرة إلى أنهم توجهوا شمالًا، وكانوا يضطرون إلى التوقف والاختباء كل بضعة أمتار خوفًا من القناصة المنتشرين في محيط المدينة. هذا الحذر المفرط جعل الرحلة تستغرق وقتًا أطول، وسط حالة من القلق والترقب المستمر.
مواجهة مباشرة
في الطريق الشمالي الشرقي، واجهت المجموعة أفرادًا من قوات الدعم السريع الذين قاموا باستجوابهم بدقة، قبل أن يعتدوا بالجلد على بعض الشباب الذين اتُهموا بالانتماء إلى القوة المشتركة، ثم اقتادوهم معهم. وتقول منال إن عناصر الدعم السريع خاطبوهم بلهجة قاسية، مستخدمين عبارات مهينة، من بينها: “شبعتم من الأمباز، وانتهى أمركم، وتريدون الخروج في النهاية.”
عبور مكلف
وتشير منال إلى أن عدد أفراد المجموعة بلغ 16 شخصًا خلال تلك الرحلة الليلية، وقد تم نقلهم من بوابة مليط إلى بلدة طرة، حيث اضطروا إلى دفع مبلغ مالي مقابل السماح لهم بالوصول. بعد ذلك، تمكنوا من فتح شبكة “ستارلينك” للتواصل مع أقاربهم وطمأنتهم على سلامتهم، كما تلقوا مبالغ مالية لتغطية تكاليف النقل.
مراحل التنقل
بعد أن قضت منال ثلاثة أيام في طرة، واصلت رحلتها عبر عربات “الكارو” إلى بلدة أم مراحيك الواقعة شمال الفاشر، حيث أقامت ليومين، قبل أن تصل أخيرًا إلى مدينة مليط، التي تبعد نحو 65 كيلومترًا شمال الفاشر، مستخدمة سيارة من نوع لاندروفر. هذه الرحلة الطويلة والمتقطعة كانت مليئة بالمخاطر، لكنها كانت السبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف.
مأساة الفاشر
وتصف منال الأوضاع التي عاشتها في الفاشر قبل مغادرتها، مشيرة إلى أن المئات من سكان أحياء النصر والشرفة والكرانيك اضطروا إلى الفرار نحو غرب المدينة، وسط ظروف إنسانية بالغة القسوة. وتقول إنهم كانوا يشربون مياه الأمطار ويكتفون بوجبة واحدة يوميًا، مع محاولات يائسة للعثور على وجبة إضافية في التكايا، غالبًا دون جدوى.
فقدان الأحبة
وتضيف منال بأسى أن مشاهد الدم والموت التي رأتها أمام عينيها جعلتها تفقد الإحساس بالحياة، خاصة بعد أن فقدت ستة من أقربائها، ولم تتمكن من العثور على أكفان لدفنهم، ما اضطرها إلى استخدام ملايات من خزانتها الخاصة لتكفينهم. وتذكر أن زوجها لقي حتفه بقذيفة سقطت في سوق الفاشر في يونيو من العام الماضي، أثناء وجوده في متجره، في وقت اندلعت فيه معارك عنيفة في الجهة الشرقية من المدينة.
معاناة مستمرة
وتؤكد منال أن آلاف المدنيين لا يزالون عالقين داخل مراكز إيواء مزدحمة في الفاشر، يعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب، إضافة إلى غياب الأدوية والمستلزمات الطبية. وتوضح أن هؤلاء السكان في حاجة ماسة إلى الخروج من المدينة، لكن الطرق المؤدية إلى خارجها غير آمنة، ما يجعل من مغادرتهم أمرًا بالغ الصعوبة.
ارتباط قديم
وتشير منال إلى أنها بقيت في المدينة حتى يوم الخميس الماضي رغم المخاطر، بسبب ارتباط أسرتها وأقاربها بحي الشرفة منذ أكثر من ثمانين عامًا، وهو ما جعل قرار المغادرة مؤلمًا لكنه ضروري. وبعد وصولها إلى مليط، عبّرت عن حالتها الراهنة بقولها: “أنتظر الذهاب إلى المجهول، فلا وجهة محددة مع أطفالي نتجه إليها.”
حصار مستمر
تجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع تفرض حصارًا مشددًا على مدينة الفاشر منذ أبريل من العام الماضي، في إطار محاولتها للسيطرة عليها، باعتبارها آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد أن تمكنت خلال عام 2023 من إحكام قبضتها على مواقع الجيش في نيالا وزالنجي والجنينة والضعين، ما جعل الفاشر مركزًا للصراع العسكري ومأساة إنسانية متواصلة.