مقالات

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ كَامِل إدْرِيس.. (2)

محمد عبدالقادر يكتب من بورتسودان..

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ كَامِل إدْرِيس.. (2)

رئيس الوزراء: أولوياتي “المياه والكهرباء والصحة والتعليم والأمن والإعمار ومعاش الناس”.

أعمل على ما يطلبه المواطنون، ومقتنع بأن “الزول بونسو غرضو”..

يسعى لانتهاج استراتيجية “الحكومة الجوّالة”.. بعد الخرطوم سيزور (……)

الشعب لن يمنح الدكتور كامل “صكَّ رضاءٍ مفتوح” على طريقة “شكرًا حمدوك”…

كنتُ شاهداً على احتجاجه لدى المالية على نثرية مكتبه الدولارية…

(1)

قلتُ للدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء: صحيح أنك حظيتَ بدعمٍ كبيرٍ من قِبل الرأي العام، ولكن تذكّر دومًا أن الشعب السوداني (مَلُول) ودائماً في انتظار نتائج عملية وسريعة…

دار بيننا حوار كان المواطن محوره، أبلغني أنه طرح برنامجاً طموحاً لحراكٍ تنفيذيّ شامل، غير أن أولوياته ستكون في “التعليم والصحة وخدمات الكهرباء والمياه”، مع إيلاء اهتمامٍ خاصٍّ للأمن، وبرامج التنمية والإعمار.

نصحتُه بأن رضاء الشعب والإعلام عن اختيارك لا يعني أنك ستكون محصّناً ضد النقد، فلن يمنحك أحدٌ “صكَّ رضاءٍ مفتوح” لا تبدّله المواقف والتطورات، على طريقة “شكراً حمدوك”…

(2)

ربما تأثّر الرجل بالنمط الغربي في التعاطي مع السياسة، مما منحه مرونة كافية لتقبُّل الرأي الآخر، وقد كان دائم الطَّرْق على فكرة: أريد إعلاماً ناصحاً، أحتاج لمن يُهديني عيوبي، لا من يُمجّد رحلتي في الوزارة، وقد احترمتُ فيه هذا الجانب، إذ سألني عن زملاء من الكُتّاب الصحفيين هاجموه بالاسم، وتابع: هؤلاء خدموني جداً، وليتني التقيتُهم…

أبلغتُه أن الصحافة تعمل بالفعل مع المواطن، لا مع رئيس الوزراء، وأن عليه استثمار رصيد التوافق الكبير في تحقيق اختراقات كبيرة، خاصةً في مجال الخدمات، أخبرني بأنه مقتنع تمامًا بأن “الزول بونسو غرضو”، والشعب مهموم ومشغول باحتياجاته البسيطة: “كهرباء، مياه، صحة، تعليم، أمن، وإعمار”…

(3)

على أيام وجودي في بورتسودان كانت أزمة أطراف جوبا على أشدّها، وحينما طرحتُ أمامه تساؤلات الحركات وتحفّظاتها على بعض مواقفه، وفي مقدمتها “حل الحكومة”، أجابني بأنه ليس جزءاً من الأزمة في الأساس، لكنه وسيطٌ للحل، وأنه يقف على مسافة واحدة من أطراف القضية.

كانت لقاءاته بالدكتور جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي وأطراف “سلام جوبا” متواصلة، وجدتُهم معه أكثر من مرة حتى تكلّلت المساعي باحتواء الأزمة،كنتُ أخبره دوماً أن المقادير وضعته في المواجهة، وأنه لا ناقة له ولا جمل في ما حدث، وأنصحه باستعجال حسم القضية، والإسراع في تكوين الحكومة، لأن الوضع القائم لا يحتمل الفراغ.

قلتُ له: إن حلك للحكومة لم يكن خياراً مناسباً، والأولى كان تكليف الموجودين والبدء في المشاورات بطريقة هادئة، لا يستشعر معها الرأي العام أي أزمات في اختيار الحكومة الجديدة…

(4)

أبلغتُ الدكتور كامل أن المهمة الملقاة على عاتقه ستكون كبيرة وخطيرة في ذات الوقت،توقّعات المواطنين وتفاؤلهم بالرجل تضعه أمام تحدٍّ صعب، وتفتح أمامه طريقًا لاتجاهٍ واحد، فإما أن ينجح… أو ينجح.

البداية الصحيحة تقود إلى النهايات المطلوبة دوماً، والحكومة القادمة هي “الترمومتر” الذي يمكن أن يُقاس به مستقبل مهمة الدكتور كامل إدريس، لذا فإن إحسان الاختيار سيقود إلى النتائج المرجوّة، وهذا هو التحدي الماثل أمام دولة رئيس الوزراء الآن ..وافقني الرأي، وقد تابعتُ أنه كان حريصاً ودقيقاً في اختياراته، لدرجة منحت العملية سمة البطء غير المرغوب فيه في تسمية الوزارة.

نعم، كانت هنالك لقاءات ومعاينات مباشرة، وعن طريق الفيديو، لآلاف الكفاءات، أغلبها بالطبع لم يحظَ بالقبول اللازم لاعتماده ضمن طاقم “حكومة الأمل”،وقد كان مطلوباً من د. كامل إعمال أقصى معايير الاحترافية والنزاهة في اختيار كوادر ملهمة ومؤهلة قادرة على إحداث اختراق حقيقي في إدارة الجهاز التنفيذي، وقيادة البلد إلى بر الأمان…

كرّرتُ قولي أمامه: نريدها حكومة لا تعبث بها أيدي الواسطة من المتنفّذين (مدنيين وعسكريين)، ولا تخضع لمزايدات وابتزاز السياسيين، قوامها الكفاءة والتأهيل والاستقامة والخبرة المطلوبة لشغل الموقع التنفيذي،نريدها خالية من المحاصصات، والتوجّهات العنصرية والقبلية، مع مراعاة الاتفاقيات ووقائع المرحلة المؤثّرة في الحراك السياسي والميداني.

(5)

الدكتور كامل يُفكّر في انتهاج استراتيجية “الحكومة الجوّالة”، يريد أن يزور كل الولايات ويباشر مهامه “بطريقة ميدانية”، قبل أن يعود سريعاً للخرطوم، التي يعمل جاهداً على تهيئتها حتى تكون عودة المواطنين والحكومة “سريعة وميسورة”.

قلتُ له إن هنالك مثلًا دارفورياً يقول: “العنقريب في الراكوبة ما عندو ضل”، وإن عليه بالفعل أن يصنع ظلَّه بعيداً عن السلطة السيادية المشمولة بالزخم والاهتمام والمتابعة في بورتسودان.

وافقني الرأي، ولا أدّعي أنني صاحب الفكرة، لكن الرجل بدأ بالفعل رحلة البحث عن المواطن واحتياجاته خارج مضارب بورتسودان، وقد زار الخرطوم، وأظنه يخطط لتكون محطّاته القادمة الجزيرة “المدن والقرى والناس والمشروع”، وسنار، وعدد من المناطق في وسط وشمال السودان وكردفان، ودارفور مستقبلًا، حسب ما أخبرني.

(6)

للأسف، بالأمس أخذ عليَّ البعض وصفي لطاقم د. كامل بالتهذيب، وهي حقيقة لا أدري ما مصلحة البعض في محاولة حملي على القول بـ(عكسها)…

ربما لو شتمتُهم لتصدّرتُ التايم لاين، لكني لم أفعل ولن أفعل،لا أدري أي مصلحة يمكن أن أجنيها من شتم أناس محترمين بما ليس فيهم، كاتب المقال لا يريد حصد التريند بالإساءة للآخرين، أو نعتهم بصفات غير لائقة أو حقيقية…وإني لأتعجّب من وَلَع بعض السودانيين بالإساءات، وتصنيف كاتبها كبطل، مع وصمه بأنه “كسّار تلج” كلما منح الناس حقها من التقديروالاحترام، وكتب ما فيهم بصدق دون زيادة أو نقصان…

ما زلتُ على قناعة بأن الدكتور كامل هو الفرصة الأخيرة لإحداث التوافق الوطني المطلوب، باعتباره شخصية وفاقية تحظى بقبول من كافة الأطراف، ومن الرأي العام السوداني والمجتمع الدولي،وما زلت أنظر إلى دعم الرجل وتجربته كـ(أمن قومي)، هذا رأيي، وليخالفني فيه من يخالفني، ولكن بموضوعية،فكاتب هذا المقال لا يرجو جزاءً ولا شُكورا، ولا يطلب منصبًا من رئيس الوزراء أو غيره ممن يحكمون السودان الآن…

 

(7)

ما زلت عند رأيي أن الزهد سِمَةٌ أساسية في شخصية د. كامل إدريس، فقد كنتُ شاهداً على احتجاجه لدى وزارة المالية على النثرية الدولارية التي تم تصديقها لمكتب رئيس الوزراء،وتابعتُ توجيهه المكتوب للأمين العام لرئيس الوزراء بذهاب راتبه الشهري لأسر الشهداء ومرضى السرطان، ووقفتُ على رفضه السكن في منزل تجاوزت قيمته الثلاثين ألف دولار، وعايشتُ زهده في الصرف على الضيافة، والاكتفاء بـ”البلح والفول السوداني” في مكتبه ومقر إقامته، ورأيتُ كيف أنه كان يحتجُّ لطاقم الضيافة على التبذير في مصروفات الإعاشة…

هذه حقائق وشهادة لله لن أكتمها خوفًا من تصنيف المتربّصين والشانئين الذين يسوؤهم الحديث عن الناس بالحُسنى، ويعتقدون أن الصحافة ليست سوى “ساحة للرّدم” وشتم الآخرين…

نواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى