“قصر النظر”.. ثمن طفولة رقمية

متابعات : الوجهة 24
في عصر تتصدر فيه الشاشات مشهد الطفولة اليومية، وتحل فيه الأجهزة الذكية محل الألعاب والكتب، بات التساؤل مشروعاً: هل يدفع أطفالنا ضريبة بصرية باهظة مقابل هذا الانغماس في العالم الرقمي؟
من الهواتف المحمولة التي لا تفارق الأيدي الصغيرة، إلى الأجهزة اللوحية التي أصبحت وسيلة تعليم وترفيه، يشهد الأطباء تزايداً مقلقاً في معدلات الإصابة بقصر النظر بين الأطفال حول العالم. فالعين – ذلك العضو الحساس – تُستنزف بصمت في معركة ضوء الشاشة والأنشطة القريبة، وسط تراجع ملحوظ في ساعات اللعب تحت أشعة الشمس
تحذير طبي: الظاهرة تتسارع
يؤكد الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، استشاري طب العيون والمتخصص في أمراض الشبكية بمستشفى “باراكير” للعيون في الإمارات، أن قصر النظر (Myopia) تحول من حالة فردية إلى ظاهرة صحية عالمية. ويشرح قائلاً: “هو خلل بصري يجعل من الصعب رؤية الأجسام البعيدة بوضوح، وغالباً ما يظهر بين سن 6 و14 عاماً، وتتزايد نسب الإصابة عاماً بعد عام”
الأعراض قد تكون خفية في البداية، خصوصاً أن الأطفال لا يدركون بسهولة أن رؤيتهم غير طبيعية. لذلك يلفت الدكتور أبو الحسن إلى مجموعة من الإشارات التحذيرية مثل: الجلوس قريباً من التلفاز، تضييق العينين لمحاولة الرؤية، الشكوى من صداع متكرر، أو تراجع الأداء الدراسي
الأسباب: مزيج بين الوراثة والعصر الرقمي
لا يُعزى قصر النظر إلى عامل واحد، بل هو نتاج تداخل بين الجينات والعادات اليومية. فبينما يلعب العامل الوراثي دوراً واضحاً – إذ ترتفع احتمالية الإصابة لدى الأطفال الذين يعاني أحد والديهم أو كلاهما من قصر النظر – إلا أن نمط الحياة الحديثة لا يقل خطورة
ويضيف الدكتور أبو الحسن: “التعرض المفرط للشاشات، قلة النشاطات الخارجية، والاعتماد المستمر على القراءة من مسافات قريبة، كلها عوامل تسهم في تسريع تفاقم الحالة”
خيارات العلاج.. ونوافذ للوقاية
رغم الانتشار المتزايد، يبقى التفاؤل ممكناً. فالكشف المبكر لقصر النظر يمنح فرصاً متعددة للعلاج والتدخل الفعّال. أبرز هذه الخيارات:
النظارات أو العدسات الطبية: الحل الأبسط والأكثر شيوعاً لتصحيح الرؤية.
عدسات تحكم في تطور قصر النظر: تقنية حديثة تساعد في إبطاء تقدم الحالة
قطرات الأتروبين بتركيز منخفض: تُستخدم لتقليل سرعة نمو العين خلال سنوات الطفولة
تقويم القرنية الليلي (Ortho-K): عدسات تُلبس أثناء النوم لإعادة تشكيل القرنية، تتيح الرؤية دون نظارات خلال النهار
الجراحة الانكسارية (للكبار فقط): خيار متقدم بعد استقرار الحالة في سن المراهقة أو لاحقاً.
إلى جانب العلاج، يشدد الأطباء على أهمية الوقاية. ومن النصائح الذهبية التي يوصي بها الدكتور وسام:
قاعدة 20-20-20: كل 20 دقيقة من استخدام الشاشة، النظر إلى شيء يبعد 20 قدماً لمدة 20 ثانية.
تشجيع اللعب في الهواء الطلق: ساعتان يومياً على الأقل تحت ضوء الشمس الطبيعي.
تقليل وقت الشاشات: خصوصاً للأطفال دون سن 5 سنوات، وتوفير فترات راحة منتظمة.
الإضاءة الجيدة أثناء القراءة أو استخدام الأجهزة.
إجراء فحص سنوي للنظر حتى في غياب الشكاوى.
رؤية للمستقبل
في زمنٍ تحوَّلت فيه التكنولوجيا إلى رفيق الطفولة اليومي، تبقى أعينهم أمانة في أعناق الأهل والمربين. فبين ومضات الشاشات وساعات اللعب الإلكتروني، هناك معركة صامتة تجري على مرمى البصر
ليس المطلوب القطيعة مع العالم الرقمي، بل ترشيد الاستخدام، وإعادة التوازن بين ما تتيحه التقنية وما يحتاجه الجسد للنمو السليم. فسلامة البصر اليوم… تعني جودة حياة الغد.