مقالات

الأبطال والناجون من الاضطهاد لا يعاقبون…

الأبطال والناجون من الاضطهاد لا يعاقبون… 

مبارك أردول..يكتب

حين فُرضت الخزانة الأمريكية العقوبات على د. جبريل إبراهيم، بدا الأمر كصفحة جديدة من سوء الفهم من واشنطن لتاريخ طويل من الاضطهاد والألم في بلادنا، فالرجل لم يولد في قصر السلطة ولا من صفوتها، بل خرج من قُرى الهامش التي احترقت لاحقا بيد الجنجويد ومؤسسها العنصري، ومن بين القوميات المضطهدة في السودان ممن دفعوا أرواحهم ثمناً لوجودهم، وحفظا لإرثهم وارضهم وحقهم السياسي في المشاركة.

لم تسلم حتى أسرته عن ذلك الجرح والألم، فشقيقه د. خليل تمت تصفيته، كما سجن شقيقه الاخر دكتور عشر لعشر سنوات مصفداً تحت الأغلال الحديدية، وأفراد آخرون منهم طالتهم أيادي القتل والقمع، ومن نفس النظام الإسلامي الذي يحمل عليه الان، وبل احتفوا في مشهد درامي بمقتلهم وآلامهم. لم تكن تلك خسارة سياسية، بل جرح إنساني لا يندمل.

فالدكتور جبريل ليس معزولاً عن هذا التاريخ؛ هو ابن تلك التجربة المريرة، ابن النزوح والقرى المدمرة والمقابر الجماعية. الذي لم يستسلم بل خاض ميادين الدفاع والقتال بشجاعة تصديا لذلك، فنحن اول الشاهدين، كيف له أن يُعاقَب اليوم، بعد كل ما فقد، هذا مجرد تكرار لمعاقبة الضحية بدلاً من مواجهة الجلاد.

ربما رأت واشنطن مشهداً مبتوراً، لكنها بحاجة إلى أن تسمع الرواية كاملة: رواية النساء اللواتي بكين أبناءهن تحت رماد القرى، ورواية الأطفال الذين كبروا بلا آباء. هذه ليست سطور في تقرير، بل جراح أمة كاملة.

العدالة الحقيقية لا تكون بعقوبات جديدة تزيد الهامش عزلةً وغربة، بل بإنصاف الضحايا وإعادة الاعتبار لهم. ما يحتاجه السودان ليس وصماً إضافياً لرموزه، بل رؤية عادلة تنظر لكل المأساة بعين مفتوحة وضمير حي.

مبارك اردول 

١٤ سبتمبر ٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى